أصبح العلاج المناعي القائم على خلايا التائية المعدلة بمستقبلات المستضدات الكيميرية (CAR-T) ركيزة أساسية في علاج الأورام اللمفاوية العدوانية من نوع الخلايا البائية، ولا سيما الورم اللمفاوي الكبير المنتشر من نوع الخلايا البائية (DLBCL) في حالتي النكس أو المقاومة للعلاج. ومع ذلك، فإن عملية تصنيع خلايا CAR-T تستغرق وقتاً يتخلله فترة حرجة بين إجراء فصادة الكريات البيضاء والتسريب، وهي فترة يمكن أن تشهد تقدماً في المرض قد يؤدي إلى فقدان الأهلية للعلاج أو زيادة العبء الورمي أو تقليل الفعالية العلاجية.
أصبح استخدام العلاج الجسري خلال هذه الفترة معياراً شائعاً، إلا أن اختيار نوع هذا العلاج – سواء كان كيميائياً أو إشعاعياً أو مزيجاً منهما – لا يزال متغيراً. وتشير بيانات استعادية حديثة إلى أن استخدام العلاج الإشعاعي الجسري (bRT) قبل العلاج بخلايا CAR-T قد يكون له دور يفوق كونه مجرد وسيلة مؤقتة. ففي بعض الحالات المنتقاة، قد يسهم بشكل كبير في تحسين الاستجابة والبقاء.
نظرة عامة على الدراسة
شملت الدراسة مجموعة مكونة من 51 مريضاً بالغاً يعانون من أورام لمفاوية كبيرة عدوانية من نوع الخلايا البائية، جميعهم تلقوا bRT قبل تلقي علاج بخلايا CAR-T من أنواع: أكسيكابتاجين سيلوليوسيل، تيساجينليكليوسيل، أو ليسوكابتاجين ماراليوسيل. وقد كان معظم المرضى (64.7٪) في مراحل متقدمة من المرض (المرحلتان الثالثة والرابعة)، و25.5٪ منهم يعانون من كتلة ورمية كبيرة عند تلقي العلاج الإشعاعي. ومن الجدير بالذكر أن ما يزيد قليلاً عن نصف المرضى (51٪) تلقوا علاجاً إشعاعياً شاملاً يشمل جميع مواقع المرض المعروفة، بينما تلقى الباقون علاجاً إشعاعياً موضعياً أو إشعاعاً مدمجاً مع علاج جهازي.
وكان متوسط فترة المتابعة حوالي 10 أشهر.
نتائج الفعالية العلاجية
بعد 30 يوماً من تسريب خلايا CAR-T، بلغ معدل الاستجابة الكلي 82.4٪، وهو معدل يتماشى مع ما تم الإبلاغ عنه سابقاً لدى هذه الفئة من المرضى. وكان متوسط البقاء الكلي (OS) 22.1 شهراً، ومتوسط البقاء بدون تقدم المرض (PFS) 7.4 أشهر.
- معدل البقاء لمدة عام واحد: 80٪
- البقاء بدون تقدم المرض لمدة عام واحد: 78٪
- معدل البقاء لمدة عامين: 59٪
- البقاء بدون تقدم المرض لمدة عامين: 54٪
وتُعدّ هذه الأرقام مشجعة، لا سيما بالنظر إلى السمات عالية الخطورة لدى هذه المجموعة.
أثر استراتيجية العلاج الإشعاعي
كان أبرز ما توصلت إليه الدراسة هو أن المرضى الذين تلقوا bRT شاملاً لجميع بؤر المرض قد أظهروا تحسناً ملحوظاً في معدلات البقاء الكلي والبقاء بدون تقدم المرض، مع دلالة إحصائية واضحة (p ≤ 0.04). وتشير هذه النتائج إلى أن للعلاج الإشعاعي الجسري دوراً فاعلاً في السيطرة طويلة الأمد على المرض، ليس فقط من خلال تأخير التقدم قبل علاجCAR-T ، بل أيضاً من خلال تعزيز فعالية هذا العلاج.
ومن اللافت أن زيادة شدة الجرعة الإشعاعية إلى ما فوق 30 غراي لم تكن مرتبطة بتحسين النتائج. بل إن مدى شمول التغطية الإشعاعية – أي معالجة جميع بؤر المرض المعروفة – كان هو العامل الحاسم، مما يبرز أهمية التخطيط الدقيق ورسم خارطة شاملة للمرض قبل البدء بالعلاج الإشعاعي.
عوامل مرتبطة بسوء الإنذار
كانت هناك عدة خصائص سريرية مبدئية ارتبطت بانخفاض معدلات البقاء، منها:
- الحالة الوظيفية بحسب مقياس ECOG ≥2
- المرحلة الثالثة أو الرابعة من المرض
- وجود كتلة ورمية كبيرة
- مؤشر التنبؤ الدولي (IPI) ≥3
- النمط النسجي غير التابع للمركز الجنيني (non-GCB)
وقد تنبأ كل من ارتفاع مؤشر IPI والنمط النسجي غير GCB بسوء البقاء الخاص بالمرض، وهو ما يتماشى مع بيانات سابقة في أدبيات DLBCL ويؤكد مجدداً على أهمية التصنيف الطبقي للمخاطر عند وضع استراتيجيات العلاج الجسري.
أنماط الانتكاس
سُجل حدوث انتكاس لدى أكثر من نصف المرضى (50.9٪)، ووقعت 46٪ من هذه الانتكاسات ضمن الحقول الإشعاعية السابقة، ما يثير تساؤلات جوهرية حول حدود السيطرة الموضعية حتى في ظل استخدام bRT شامل.
وقد ارتبط عاملان بزيادة احتمال الانتكاس داخل الحقول المعالجة إشعاعياً:
- وجود كتلة ورمية كبيرة (نسبة الأرجحية 7.0، p = 0.03)
- غياب الاستجابة بعد 30 يوماً من CAR-T (نسبة الأرجحية 16.8، p = 0.02)
وتُظهر هذه الروابط أن بيولوجيا الورم، أكثر من خصائص العلاج الإشعاعي ذاته، هي التي تحدد خطر الانتكاس في كثير من الحالات. ومن المهم الإشارة إلى أن جرعة الإشعاع نفسها لم تكن مرتبطة بحدوث الانتكاس، مما يعزز أهمية اختيار المرضى المناسبين بدلاً من تصعيد الجرعة.
دور bRT في الحالات المتقدمة
في المرضى المصابين بمرحلة ثالثة أو رابعة، لم يُظهر العلاج الإشعاعي الشامل أي فائدة واضحة مقارنة بالعلاج الإشعاعي الموضعي، وهو ما يتماشى مع الواقع السريري، إذ قد لا يكون من العملي أو الضروري معالجة جميع البؤر في اللمفوما المنتشرة. وتدعم هذه البيانات استخدام bRT الموضعي في المراحل المتقدمة، مع التركيز على تخفيف الأعراض أو معالجة الكتل الكبيرة دون التأثير سلباً على النتائج طويلة الأمد.
علاوة على ذلك، لم تُلاحظ فروق كبيرة بين المرضى الذين تلقوا إشعاعاً فقط وأولئك الذين تلقوا إشعاعاً مدمجاً مع علاج جهازي، ما يشير إلى أن الإشعاع وحده قد يكون كافياً ومحمولاً بشكل أفضل لدى بعض المرضى.
الدلالات السريرية
توفّر هذه البيانات أساساً لاستخدام أكثر قصداً للعلاج الإشعاعي ضمن مسار علاج CAR-T. ففي المرضى ذوي المرض المحدود وغير الضخم، يبدو أن bRT الشامل يقدم فائدة واضحة في البقاء، ربما من خلال تعزيز توسّع خلايا CAR-T أو تقليل العبء الورمي المثبط للمناعة. أما في حالات المرض المتقدم أو الضخم، فيبقى العلاج الإشعاعي الموضعي خياراً مناسباً، وقد يساعد في تقليل المضاعفات الحادة دون زيادة السمية.
وفي السياق الأوسع، تتحدى هذه الدراسة المفهوم التقليدي للعلاج الإشعاعي كوسيلة مؤقتة قبل CAR-T، بل تدعم اعتباره جزءاً مدمجاً في الاستراتيجية العلاجية، وله آثار محتملة على مسار المرض.
الخلاصة
تسلّط هذه الدراسة الضوء على الدور الفعّال للعلاج الإشعاعي الجسري في إدارة مرضى الأورام اللمفاوية الكبيرة العدوانية من نوع الخلايا البائية الذين يخضعون للعلاج بخلايا CAR-T. فعند استخدامه بشكل شامل في المرضى المناسبين، يرتبط بتحسّن ملموس في معدلات البقاء الكلي والبقاء دون تقدم المرض. وتدعم النتائج اعتماد نهج فردي في استخدام الإشعاع – شامل في حال السماح بذلك من حيث عبء المرض، وموضعي عند الضرورة – في إطار تنسيق متعدد التخصصات وتخطيط علاجي مخصص لكل حالة.
ومع توسّع نطاق الوصول إلى CAR-T وتعقّد اختيار المرضى المؤهلين له، من المتوقع أن يستمر تطوّر دور الإشعاع في هذا السياق. وتوفّر هذه النتائج دليلاً عملياً حديثاً حول كيفية دمج bRT بشكل أمثل في رعاية الأورام اللمفاوية، وتفتح الباب لمزيد من النقاش والأبحاث حول الدور المتغيّر للإشعاع في علاج CAR-T.